الرواية إهداء خاص للأخت براديس
فهي من شجعتني على سحب الرواية
قرية ظالمة
رواية
محمد كامل حسين
الهيئة المصرية العامة للكتاب
مكتبة الأسرة
1997
تُعدّ رواية "قرية ظالمة" من أجمل ما كتب د.محمد كامل حسين، بل يراها البعض أجمل ما كُتِب عن الأيام الأخيرة للسيد المسيح.
ووفقا لدار الشروق - التي أعادت نشر الرواية - تناول المؤلف فى هذه القصة بأسلوب راق وسرد شائق مشكلات الإنسان النفسية والفكرية والاجتماعية المزمنة. وقد ترجمت إلى لغات عديدة كالإنجليزية والفرنسية والإسبانية والهولندية والتركية، واستحق من أجلها جائزة الدولة فى الأدب عام 1957.
كان د.محمد كامل حسين (1901-1977) جراحًا بارعًا وأستاذًا نابها، تفوق فى الطب فكان يُعَدّ رائد طب العظام فى مصر، ونال جائزة الدولة فى العلوم عام 1967، فأصبح بذلك أول مصرى يحوز جائزتى الأدب والعلوم.
وله عدة كتب تتناول اللغة العربية والأدب والنقد والطب والعلوم، ومن أهمها "الوادى المقدس"، "قوم لا يتطهرون"، "الذكر الحكيم"، "اللغة العربية المعاصرة"، "التحليل البيولوچى للتاريخ"، و"وحدة المعرفة".
وصدرت الرواية مؤخرا ( 2007 ) أيضا ضمن سلسلة الجوائز التى تصدرها الهيئة المصرية العامة للكتاب وتعد من علامات السرد فى الأدب العربى فى النصف الثانى من القرن العشرين، طبعت عام 1954 ونال عنها جائزة الدولة فى الأدب عام 1957.
تدور أحداث الرواية فى أورشليم التى وصفها الكاتب بالقرية الظالمة، زمن الرواية لا يتعدى يوما واحدا، يوم الجمعة المصيرى فى تاريخ البشرية..حيث صلب المسيح، الرواية قائمة على جدلية أن الجميع يريدون صلب المسيح وفى الوقت نفسه لا يريدون صلبه، فبنو إسرائيل يريدون صلبه لأنه يدعو إلى المحبة والسلام والتسامح مع بنى الإنسان لكنهم فى الوقت نفسه يغرقون فى بحار الشك وتعذبهم ضمائرهم لصلب رجل صالح له معجزات.
من أجواء الرواية نقرأ:
إن ضمير الفرد لا يمنع أن ترتكب الجماعة أعظم الذنوب، ما دامت ترتكب باسم الجماعة. والضمير وحده هو الذى يصرف الناس عن الشر، والجماعات لا ضمير لها، ولا يزعج ضمير أحد من أفرادها ما ترتكبه جماعته مهما يكن الإثم عظيما.
قرية ظالمة
بقلم إبراهيم عبدالمجيد 13/ 1/ 2007
هذا في الأصل عنوان رواية فذة للمرحوم الدكتور محمد كامل حسين الذي توفي عام 1977، وهي روايته الوحيدة، ورغم ذلك أصبحت علامة في تاريخنا الأدبي، تعرفها كل الأجيال، ولقد تجلت عبقرية محمد كامل حسين في عنوان هذه الرواية الذي لا يمكن أن ينسي، والرواية عن الأيام الأخيرة التي سبقت صلب المسيح عليه السلام، تتقصي أحوال اليهود والرومان والمسحيين في القدس وكيف تمت المؤامرة، ولقد كان رحمه الله طبيباً كبيراً وعالماً في مجاله، جراحة العظام، وهو يعد رائد طب العظام في مصر،
وكان له إسهام كبير في الحياة العلمية والأدبية، فهو أحد المؤسسين لمستشفي «الهلال الأحمر» في القاهرة الذي ظل يشرف عليه حوالي أربعين سنة، كما كان أول مدير لجامعة إبراهيم، عين شمس، وله إلي جوانب هذه الرواية مجموعة قصص بديعة بعنوان «قوم لا يتطهرون»، صدرت مؤخراً عن «دار الشروق» بمقدمة جميلة للدكتور عزت شعلان، وحصل علي جائزة الدولة في الأدب، وجائزة الدولة في العلوم، فهو من النوع النادر من الكتاب والعلماء الذين يعرفون دقة الجسر الذي يربط بين العلم كنشاط عقلي والأداب كنشاط روحي، لذلك يكتب كتاباً جميلاً ومهماً هو «وحدة المعرفة»، يجعل فيه العلوم الطبيعية قاعدة للمعرفة وينتهي علي القمة بالعلوم الإنسانية،
ويذكرنا بترتيب أفلاطون للعالم الذي تقع علي قمته «المثل» التي علي أشكالها، يحاول كل شيء في العالم أن يكون، ومن ثم تبدو مسائل مثل وجود الله من أسهل مسائل الفلسفة، فهو المثل الذي ليس مثله أي شيء، بل يحاول كل شيء أن يترقي إليه، لم يكن إذن من طائفة العلماء الذين تستغرقهم المادة، والأسباب والنتائج المباشرة، التي لا يحاول العقل الذهاب أبعد منها، لقد سار في الطريق العظيم للبشرية، ولرجالها العظام،
وهو اليقين بوجود الله، ومن ثم بالأديان كحاجة بشرية أيقظت ما سمي في الإنسان بالضمير فصارت أعظم ضامن للأخلاق يفوق القوانين الوضعية التي تردع ولا تمنع، ولم ينظر إلي المسألة بالعصبية التي تجعله يري ما حوله يستحق الهجوم والتطرف فهو الذي درس تاريخ البشرية، من خلال العلم والفلسفة يعرف أن الإنسان مهما بدا من عصيانه يبحث عن الهداية، ويعرف أن طريقها هو الإيمان بالله خالق الكل والانصياع للدين الذي اختاره الذي يجعل الله علي قمة الوجود.
لقد رأي أن كل شيء يصل بنا بهدوء إلي وجود الله، التحليل النفسي، فكتب كتاب «الوادي المقدس» والعلوم فكتب كما قلت وحدة المعرفة، أما كتاب «الذكر الحكيم» فهو أجمل ما يمكن أن نهديه لمن يريدون تفسير القرآن تفسيراً حقيقياً، دينياً وخلقياً، وليس كما يحدث عن بعض العلماء من شطط فيرون فيه كتاب علوم، فالعلوم وقتية وزائلة والنظريات تتغير، والدين منذ اهتدي إليه الإنسان مناط الأخلاق،
هذا التراث العظيم لمحمد كامل حسين لا تعرفه الجماعات التي تسمي نفسها بالإسلامية، التي أصابتها صرعة تكفير كل الناس، وصرعة تسخير العلوم بتفسيرات عجيبة لإثبات إعجاز القرآن، فيخرج القرآن الكريم عن كونه هادياً للبشر إلي كتاب علمي يري الناس فيه كل العلوم الحديثة فيطمئنون إلي أنهم أعظم الناس ولا يساهمون في هذه العلوم بشيء، ما دام كل ما يتم اكتشافه موجوداً من قبل في كتابهم..
أتذكر هذا العالم الجليل والأديب الكبير، وأتذكر نفسي وأنا أقرأ في سن مبكرة جداً، تحت العشرين، كتاب وحدة المعرفة وكيف كان باعثاً علي اطمئنان مبكر لشاب قد تغريه شطحات الفلاسفة، وأتذكر قراءتي لروايته الفذة «قرية ظالمة»، وكيف مهما نسيت أحداث الرواية، لا أنسي عنوانها، الذي صار علامة علي حياتنا، رغم أن الرواية لم تكن عن مصر،
وأسأل نفسي دائماً متي لا تكون بلادنا ظالمة كل هذا الظلم لعلمائها ومفكريها، وأولهم محمد كامل حسين الذي لا يتذكره النقد الأدبي إلا بأنه صاحب الرواية الواحدة، ولا يتذكره العلماء، ولا الجامعات، في وقت نحن أحوج فيه إلي هذا التذكر الذي يخلصنا من مشاكل كثيرة فسرها، مادام العلم والفلسفة أكدا لنا وجود الله، ومادام الإنسان قد اهتدي إليه من قديم الزمن، فلماذا لا ننطلق ونصلح في الأرض بدلاً من كل هذا الفساد والإفساد والدخول في معارك، الله سبحانه وتعالي غني عنها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق